لو كان المستهدف بالعقوبات المشددة الخانقة الأميركية، والحشود العسكرية الطاحنة، والتصريحات والتهديدات العلنية والمبطنة التي يطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وكبار أعضاء إدارته المعروفون بأنهم صقور، أية دولة أخرى شقيقة أو صديقة غير إيران الخميني ووريثه الملا علي خامنئي وحرسه الثوري ومليشياته العراقية واللبنانية واليمنية والسورية والفلسطينية، لرأيت حكومات الدول العربية وشعوبَها، كافةً، تنتفض غضبا على أميركا وعقوباتها وإهاناتها، حتى لو تعرضت لغضبها وانتقامها، ولوجدتَ شوارع الوطن العربي الكبير وساحاته، من المحيط إلى الخليج، تضيق بالجماهير المناصرة لإيران الجارة العزيزة، حكومة وشعبا، والمطالبة بغلق قواعد ترمب في بلادها، وطرد سفرائه وقناصله وجيوشه، وعلى الفور.
نزعت إيران ثياب الدولة العاقلة المسالمة المؤمنة بالقوانين والأعراف المتبعة بين الحكومات والشعوب، والملتزمة بإقامة علاقات مع دول العالم الأخرى على أساس الاحترام والمصالح المتبادلة، وارتدت ثياب الدولة المتمردة، وغادرت مكانها الطبيعي بين الدول الصغرى، ووضعت نفسها بين قامات الدول الكبرى، رغم أنها لا تملك الأجنحة اللازمة الكافية للطيران في فضاءات الصقور والنسور الجارحة التي لا تحتاج إلى معين ولا رديف ولا حليف.
منذ يقرب من أربعين سنة وعشراتُ السياسيين والكتاب والمفكرين العرب والعجم والأجانب ينصحون قادة النظام الإيراني بالتعقل والتواضع والتراجع عن سياسة التحدي والمكابرة، والتوقف عن ممارسة العنف ونشر الخراب والفساد وسفك الدماء في البلاد الآمنة والشعوب المسالمة، ويحذرونهم من زمن غدار تتبدل فيه المصالح والمواقف، وينفضُّ فيه الحلفاء والأصدقاء، ويُذكرونهم بأن الناس، دائما ومن فجر التاريخ وحتى اليوم وإلى أبد الآبدين، لا تقف إلا مع القوي والغني، ومع من تنفعها صداقته ولا تضرها، إذ لا مكان في السياسة لرحمة وشهامة ولمبدأ العفو عند المقدرة.
حتى من قبل أن تبدأ تحقيقات الخبراء في العمليات التخريبية التي وقعت في ميناء الفجيرة بدولة الإمارات العربية المتحدة توجهت الأصابع المحلية والإقليمية والدولية كلها نحو النظام الإيراني، متوقعة أنه، وليس غيره، مَن قام بها، حتى وإن لم تثبت عليه التهمة بالأدلة الملموسة الدامغة، وذلك لأنه النظام الوحيد الذي جعل الإرهاب والقتل والغدر والتخريب، منذ ولادته قبل أربعين سنة، هويته التي يعيش عليها، ويتمسك بها، ويكسب قوته برزقها.
لا ننكر التدخل الإيراني العسكري والأمني والاقتصادي والثقافي في العراق، ولا ننفي أنه ألحق أضرارا كبيرة باللُّحمة الوطنية العراقية، وتسبب، مباشرة أو من وراء ستار، في توسيع وتعميق وتدوير فساد الطبقة الحاكمة، وانهيار الخدمات، وتدهور الحياة المدنية والأمنية والصحية والاقتصادية والثقافية والتعليمية، إلى حد غير قليل.
من المتابعة المتأنية لما نشر من تعليقات ومقالات ودراسات وتحليلات في عدد غير قليل من مواقع الإنترنت والصحف الورقية والإذاعات والفضائيات العراقية والعربية والأجنبية تبين أن عراقيين كثيرين مثقفين وسياسيين ومواطنين عاديين غاضبون جدا بسبب الإهانة التي وجهها للشعب العراقي الرئيس الإيراني حسن روحاني ورئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، بما أسفرت عنه الضيافة، بسرعة وبساطة، من هدايا وإكراميات وإقطاعيات أقل ما يقال عنها إنها استعمار واستحمار علني وصريح وبالقلم العريض.
إن أية جريمة اغتيال حدثت أو تحدث في أية مدينة عراقية، أيا كانت دوافعُها وظروفها، تعني أن الوطن قد تخلى عن سلامة أبنائه وأمنهم وكراماتهم وأرزاقهم، وأنه لم يعد صالحا لعيش أحد من بني آدم، وصار على كل عراقي لديه بقية شرف وأمانة وشجاعة ولا يستطيع أن ينحني أمام حرامي، ولا أن يُقبل الأرض بين يدي جلاد، أن يحمل عصاه ويرحل. فقد أصبحت الرصاصة هي رئيسة الجمهورية ورئيسة الوزراء ووزيرة الداخلية وقائدة الشرطة والجيش في عراقهم الديمقراطي الجديد.
لم يكن أحدٌ في المنطقة الخضراء ببغداد ينتظر وزيرا بريطانيا ليقول لعراقيي ولاية الفقيه، وبالقلم العريض، إنهم سيدفعون الثمن الباهظ إذا هم لم يقفزوا من المركب الإيراني الذاهب إلى نار جهنم، عاجلا وقبل فوات الأوان.
بمناسبة بدء الحديث عن الانتخابات العراقية القادمة هل يمكن أن يخبرنا أحد من الناخبين الأعزاء ماذا فعل له، في السنوات العجاف الماضية، جميع الرؤساء والوزراء والنواب الذين احتكروا السلطة والثروة والسلاح والاختلاس
?لا أحد يجادل في مكانة السيد السيستاني الدينية، ولا في درجة إخلاصه لآل البيت والتزامه بمبادئهم وتعاليمهم، ولا في ما ينقله عنه وكلاؤه من فتاوى وخطابات وبيانات خاصة بأحكام الدين والشريعة..
مشكلة رئيس وزرائنا حيدر العبادي أن له عشرين لسانا، وقد يكون في صدره عشرون قلبا، أيضا، في حين أن كرسي الرئاسة المذهّب الهزاز لا يليق إلا بمن له لسان واحد طويل وشديد..