هدد صاحب العِمامة السَّوداء، واثق البَطاط، والمعُرف أنه قائد «جيش المختار»، ضابط الشّرطة، بالصَّوت والصَّورة، بما يُعد وثيقة تهديد بالقتل، والتي ربَّما لم يقرأ المعمم البطاط الحديث النَّبوي: «إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور» (الفخري، الآداب السُلطانية)، وهو حديث مشهور في أحاديث الشيعة والسُّنة، ذُكر كثيراً في حادثة اغتيال علي بن أبي طالب (40هـ). أقول ذلك كي لا يتعذر البطاط بأنه غير معني بالحديث، وهو حسب تهديده يعتمر عمامة النّبوة والإمامة معاً.
كان الفن ومازال، بأشكاله المختلفة، هدفاً للجماعات الدِّينية، لعدم انسجامه مع عقيدتهم في الحاكمية، ووفق مفهومهم للحياة أنها مجرد تهيئة للموت، وهذا ما يقود إلى الاستخفاف بالأرواح، الفكر الذي يغسل الأدمغة، فتصبح الجنة عند الانتحاري عبر سحق الديناميت. لكنَّ غاسلي الأدمغة، مشائخ التَّطرف، لا يتركون فرصةً إلا اغتنموها لنيل لذائذ الدُّنيا، وإذا مرضوا يستشفون في أرقى المستشفيات حرصاً على الحياة ومباهجها.
هدد صاحب العِمامة السَّوداء، واثق البَطاط، والمعُرف أنه قائد «جيش المختار»، ضابط الشّرطة، بالصَّوت والصَّورة، بما يُعد وثيقة تهديد بالقتل، والتي ربَّما لم يقرأ المعمم البطاط الحديث النَّبوي: «إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور» (الفخري، الآداب السُلطانية)، وهو حديث مشهور في أحاديث الشيعة والسُّنة، ذُكر كثيراً في حادثة اغتيال علي بن أبي طالب(40هـ). أقول ذلك كي لا يتعذر البطاط بأنه غير معني بالحديث، وهو حسب تهديده يعتمر عمامة النّبوة والإمامة معاً.
يُعد البحاثة السُّوري طَّيب تيزيني(1934-2019) أحد أبرز الكبار ممَن سعوا إلى التَّنوير عبر تثوير التُّراث، وقدم مسعاه في «مشروع رؤية جديدة للفكر العربي من العصر الجاهلي وحتى المرحلة المعاصرة».
يحاول أي نظام محاصر، يجد طبول الحرب تُقرع على مسافة منه، أن يدفعها بعيداً، فكيف إذا كانت عقيدة ذلك النِّظام تصدير الفكرة والثَّورة؟! هذا ما تفعله إيران، حيث تأسيس قطاعات لحرسها الثَّوري، والعراق أكثر البلدان التي نبتت فيها الميليشيات، وأفضل ما فيها بالنسبة لإيران أن جنودها عراقيون.
مَن ينتهي مِن قراءة سيرة الإمام جعفر الصَّادق (ت 148هـ)، وينظر في أحوال وسلوك الجماعات السِّياسية والمسلحة التي تنتسب إليه، يجدها محنته قبل غيره ممَن أتى بعده مِن أئمة ورؤساء المذهب الإمامي. كان رجل فقه وعِلم لا رجل سياسة وثورات، وتنظيمات عسكرية. فلعدالته اعتقد السُّنة الحنفية أن مذهبهم هو مذهب جعفر الصَّادق حتى قالوا: «لولا السنتان لهلك النِّعمان(أبو حنيفة)» (الدَّهلوي، التحفة الاثني عشرية)، واعتقد الشِّيعة الإمامية أنه صاحب مذهبهم وعرفوا بالجعفرية، ولم يُسمو بغيره من آبائه وأبنائه وأحفاده. فالعلوية شأن آخر، والموسوية القوم وليس المذهب.
لا تحتاج التنظيمات الدِّينية إلى متبرعين لتبرير أفعالها، لأنها تعتبرها دفاعاً عن المقدسات، جهاد في سبيل الله، وطلب الجنة، بجمع البارود مع عبارة «الله أكبر»، مثل قتل ما يقرب من أربعمائة.
أتاح لي الحقوقي، والكاتب الليبي محمد عبد المطلب الهوني، الاطلاع على روايته قبيل صدورها، فضولاً مني بسبب العنوان «مقبرة المياه»، وقد ربطته بكثرة الموت العراقي غرقاً، والأشهر كان غرقى جسر الأئمة(2005)، الذي يربط بين شاطئي دجلة، وبين مرقدي إمامين.
زار الرئيس الإيراني حسن روحاني العِراق (11 مارس 2019)، وكانت زيارة رسمية، وليست دينية للمراقد. فقد جرت العادة في الزيارات الرسمية أن يُستقبل الضيف رفيع المستوى استقبالاً رسمياً، عند وصوله، وتُعلن الزيارة عبر الإعلام إذا لم تكن سرية، وحتى في الزيارة السرية يُستقبل الضيف رسمياً لكن روحاني أسرع مِن المطار إلى زيارة مرقد الإمام موسى بن جعفر الكاظم ببغداد، مختصراً الدَّولة العراقية بالمرقد، وكأنه يريد أن يقول: لنَّا العراق عبر المراقد. إنها محاولة لكسب عاطفة المجتمع الشيعي بهذه الحركة. يمكن أن يحصل هذا لو كانت الزَّيارة سياحة دينية، وليست رسمية لدولة يفترض أن لها رئيساً وحكومة.
صار العراق ساحة لتُّجار المخدرات، ولا تنشط مثل هذه التجارة الضَّارة إذا لم تكن لها حماية مقتدرة. فالقوى التي تعلن عن منع المشروبات الرُّوحية، تروج لتصريف المخدرات، بل إن تجارة المشروبات في الأسواق السِّرية محمية من قِبلها، تتقاسم مراكز النفوذ ببغداد وبقية المدن، وما يحصل من قتل للعاملين ببيعها لا يخص تحريمها كواجب ديني، مثلما يدعون، إنما معارك على مناطق النفوذ.
صار العراق ساحة لتُّجار المخدرات، ولا تنشط مثل هذه التجارة الضَّارة إذا لم تكن لها حماية مقتدرة. فالقوى التي تعلن عن منع المشروبات الرُّوحية، تروج لتصريف المخدرات، بل إن تجارة المشروبات في الأسواق السِّرية محمية من قِبلها، تتقاسم مراكز النفوذ ببغداد وبقية المدن، وما يحصل من قتل للعاملين ببيعها لا يخص تحريمها كواجب ديني، مثلما يدعون، إنما معارك على مناطق النفوذ.
لم تنتهِ «طالبان» بإلغاء إمارتها مِن قبل الأميركيين (2001)، عقب 11 سبتمبر 2001، بعد إصرارها على دعم «القاعدة» وإيواء أسامة بن لادن (قُتل2011). ومِن العادة أن الجبال والوديان تُحصن الجماعات مِن الانهيار، ناهيك عن طبيعة المجتمع الذي ظهرت منه «طالبان»، وتحصنت به، كقبائل البشتون بأفغانستان، مع وجود دعم لها على الحدود.
ظهرت «طالبان» إلى الوجود (1994)، ثم استولت على السُّلطة (1996)، كان منشؤها قندهار التي صارت مثلاً للتشدد الأعمى، متكونة من طلاب مدرسة الفقه هناك والتي تتعلق عقيدتها بالحنفية «الدِّيْوبَندْيَّة» التي ظهرت في القرن الثامن عشر، وهذه العقيدة متشابكة المشارب: صوفية السلوك، وحنفية الفقه، و«ماتريدية العقيدة»، وأسس الأخيرة أبو منصور الماتريدي (ت 333هـ)، وقيل إنها وسط بين الأشعرية والمعتزلة (سيد طالب الرَّحمن، الدِّيْوبَندْيَّة تعريفها وعقائدها).
أحيا فنانون عراقيون معروفون أمسية تركت أثراً إيجابياً بين الشَّباب السّعودي، ساهم فيها الثلاثة: إلهام المدفعي، وكاظم السَّاهر، وسعدون جابر. والمناسبة عُرفت سعودياً بـ«شتاء طنطورة»، وفتح قناة «إم بي سي» الخاصة في العراق، وهي ثقافية وفنية، هدفها التقريب بين البلدين، بعد الجفوة التي بدأت عام 1990، وتفاقمت طائفياً بعد 2003، حتى دخلت الطائفية في الرِّياضة، وهذه المرة في الفن. فقد رُشق الفنانون الذين أقلتهم الطائرة إلى العُلا بسهام العمالة والخيانة!
قد يظن مَن يسمع بعنوان مؤتمر دبي السنوي «القمة العالمية للحكومات» (عقدت هذا العام في 10 فبراير2019) بأنها قمة سياسية لرؤساء دول العالم، كعقد معاهدة اقتصادية أو حلف عسكري، أو لتدارك حرب مثلاً، لكن لا وجود لكلِّ هذا في القمة المذكورة، إنما هي تبادل خبرات بعيدة عن الإطار الرَّسمي السياسي الحكومي المعروف، في شتى المجالات، يحضره رئيس جمهورية ورؤساء وزراء سابقون وحاليون، ورئيس منظمة دولية، ومختصون في البيئة والإلكترون والفضاء والثقافة والفن وعاملون في السلام الديني من رجال الدين لتبادل الآراء والخبرات.
يوم وصل آية الله الخميني العِراق، وأخذ يتنقل بين النَّجف وكربلاء، لم يكن الروائي علاء مشذوب قد ولد بعد. عرف في طفولته وصباه «عكد» أو درب السَّادة، ولعله خلال لعبه مع أترابه كان يرى تحرك آية الله بلا موكب ولا خواص، إلا النَّفر الذي قَدم معه مِن إيران فتركيا فبغداد. لذا كانت الفكرة ضبابية عنده عن تلك الشَّخصية التي ملأت إعلام العالم في ما بعد. فعندما ترك آية الله العراق كان عمر الروائي أحد عشر عاماً، لم يطرأ على باله أن يكون اسم هذا الرَّجل سبباً بقتله، ولم يتنبأ لنفسه أن يصير روائياً يُشار إليه بالبنان بين جيله داخل العراق، وفي زمن التناحر القاتل بين الأقوام والمذاهب.
نسلط الضوء، بمناسبة زيارة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية إلى أبوظبي، على تجربة مِن القرون الخوالي، جرت بين المسيحية ممثلةً بالبطريك «طيمثاوس» والإسلام ممثلاً بالخليفة المهدي، وهي لم تكن الأولى ولا الأخيرة، فلو كانت الأخيرة ما ظلت الخلافة الإسلامية تضم غير المسلمين، وفي مقدمتهم المسيحية، لكن هذا لا يجعلنا نغض النظر عن تعصب خلفاء وفقهاء، في أزمنة مختلفة، لأسباب عدة، ولو كان ذلك غير كائن ما احتجنا إلى عبارات مِن مثل «إحياء الحوار الديني»، أو التثقيف بالتَّسامح بين أتباع الأديان، إنه التَّاريخ ليس كله ظلم ولا كله عدل.
يكمن التطرف ويظهر، مِن عصر إلى عصر، نجده كامناً في كتب الأولين، بموضوعها الدِّيني والمذهبي، كوصفة جاهزة لا تحتاج إلا مَن يرفعها رايةً وشعاراً، وهذا ما حصل، على غرة، في تصاعد الكراهية والطَّائفية في العقود الأخيرة.