يمثل العالم السعودي سعد الصويان ظاهرة فريدة في تاريخنا الأكاديمي لاعتباراتٍ كثيرة؛ منها صعوبة الحقبة التي ابتعث فيها ضمن 10 سعوديين عام 1965حتى قبل أن يعرف شكل التلفزيون. والسبب الآخر وعورة التخصص الذي اختاره في الأنثروبولوجيا، ومن ضمن مميزاته التواضع رغم غزارة المنتج الذي طرحه بين أيدي الأكاديميين والقراء والباحثين.
حين توقفت الحفلات الغنائية في السعودية لما يقارب العقد، لم يكن الإيقاف مفهوماً من قبل المؤسسات الرسمية. سألنا وكتبنا باحثين عن الأسباب والمبررات لإيقافها، وما من مجيب. اليوم وبعد ثلاث سنواتٍ على إطلاق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لـ«رؤية 2030» وما تكتنزه الرؤية من خطط ومشروعات وحزمة إصلاحات هيكلية على المستويات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وغيرها، بات التغيير ماثلاً وشاملاً، كان البعض مستبعداً أن تظهر عطاءات الرؤية بهذه السرعة، لأنه اعتاد على الأداء البطيء، والأخطر من ذلك البطء اتخاذ قرارات سلبية بحجة عدم قابلية المجتمع بهذا النمط من التغيير، أو لهذه الظاهرة الجديدة. والحقيقة أن الأمير محمد بن سلمان أثبت للعالم أنه أعرف الناس بمجتمعه، ويعلم جيداً أن الفضاء العام يتحمل كل التغييرات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
يحرص المفكرون وهم يشتغلون على التراث ضمن معطيات المناهج الحديثة في العلوم الإنسانية، على تقديم تطمينات للمجتمعات الإسلامية، يقولون إنها مهمة لجذب أكبر عددٍ من القراء المسلمين وتبديد هواجسهم، وإشراكهم في الورش البحثية، وإدماجهم ضمن مستجدات المفاهيم وأحدث المعالجات والرؤى، ولكن مع كل ذلك يبقى هاجس مصير التراث الذي بين أيدينا، لم ينكر نصر أبو زيد أنه أسرف في تقديم تطميناتٍ كثيرة لم تحمه من المحاكمة والافتراء والجور.
في ظلّ مشاهد دموية عانى منها العالم بسبب أفكار ومعتقداتٍ وموروثاتٍ تاريخية ضاربة، قررت رابطة العالم الإسلامي جمع نخبةٍ من المرجعيات الدينية والروحية والفكرية للاتفاق على أسسٍ مشتركةٍ تمهد لانطلاق المسلمين وعلمائهم نحو رحلة أصعب تتمثل بالتطبيق، وتغيير المفاهيم، وبناء خطابٍ فقهي جديد يُعنى بالتغيرات النوعية لظروف العيش الإنساني المشترك.
روى رئيس المجلس العسكري لـ«تنظيم القاعدة في السعودية» علي الفقعسي القليل من المعلومات التي يمتلكها عن قصة تأسيس التنظيم في حوارٍ تلفزيوني مهم، وددتُ لو أن إدارة الحوار كانت أكثر مهنية، وأن الإعداد للحلقة أجود، بغية الإفادة من لقاءٍ استثنائي مع أحد المؤسسين الأوائل لأخطر التنظيمات التي دخلت معه الدولة حرباً ضروساً راح ضحيتها عشرات الشهداء من رجال الأمن والأبرياء من الأطفال والرجال والنساء. تمنيتُ أن يسرد الفقعسي الكثير من المعلومات التي تهم أي باحثٍ في الحركات المسلحة. وبعيداً عن الأسئلة المستهلكة، وفي كل الأحوال كشف الفقعسي جزءاً من قصة تأسيس التنظيم.
«هل هي الحرب»؟! السؤال الأكثر طرحاً خلال الأيام الماضية. عدة الحرب كلها جاهزة، وجميع شروط الحرب مكتملة، والقطع العسكرية الضاربة على أهبة الاستعداد. أما التصريحات الإيرانية فتتراوح بين لغة التحدي العنجهية، والتظاهر بالبرود السياسي... حتى «الحرس الثوري» يطالب بتجنب الحرب!
تشكّل المحاضرات والندوات والورشات الفكرية ميادين امتحان لأحدث التوجّهات الفكرية، وأنماط التحليل، وصيغ الرؤى. ومع موجات التحديث التي تبنتها الدول المعتدلة بالمنطقة بعد فشل مشاريع الثورة التي عصفت بالمنطقة في العقد الأخير، طغى على السطح الشكل الأوضح لأزمة كبرى في طرق معالجة المشكل في التراث الذي بين أيدينا، وهو تراث ضخم ومهم وفيه المفيد، ويمكن الانطلاق بأدواتٍ استثنائية للخروج منه بمدونات تطور الفقه وأصوله، وطرق التدوين الفقهي، وأساليب التعليم الديني، ضمن سياق العصر ومتطلباته وظروفه. كثير من الجيل القارئ الشاب تأخذه في بداية الاطلاعة نزعة انتقامية مما بين يديه من إرث، فتأخذه حماسة أطروحات القطيعة، مع أنها ضد مبدأ التغيير؛ إذ تفتقر إلى شرطين؛ أولهما: واقعية أسلوب التغيير، والثاني: التقيد بالمنهج العلمي.
في عام 2003 بلغ تنظيم «القاعدة» ذروة اكتماله التنظيمي، رسخ خلاياه الخطرة في أكبر مناطق السعودية، استعرض عضلاته بعمليات نوعية مثل تفجيرات المحيا والحمراء.
تشكل «الحروب الصليبية» نقطة انطلاق كثير من الباحثين والدارسين للعلاقة بين الإسلام وأوروبا. لم تكن العلاقة ثابتة... تلك الحروب الدامية تستمد قيمتها من مآلاتها المرعبة.
جيل ما بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) دخل سنته الثامنة عشرة؛ لم يتسمّر أمام الشاشات لحظة الارتطام التاريخية بالبرجين، لكنه عاصر أحداثاً دموية بشعة، ونيراناً من الإرهاب مستعرة، وإذا كان الجيل الحالي لا يحفل كثيراً بمتابعة الشاشات، بل ويستفسر عن معنى الجريدة، ويتحاشى غالباً مصاحبة الكتاب، فإن شرح الإرهاب لهم يغدو أكثر صعوبة من ذي قبل. لقد تحوّل الإرهاب إلى مجالٍ قائم بذاته، له تاريخه، وأدواته،
رسخت عملية نيوزيلندا الحالة المشهدية الدموية للعمل الإرهابي؛ وهي صيغة تطوّرت منذ أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وهذا التصوير للعمل الدموي يفتت هيبة الواقع؛ إذ تمتزج فيه الصورة بالعنف... بالكاميرا... بالبث المباشر... باللعبة... يغدو الحدث خليطاً من كل شيء، والواقع ممزوجاً مفتتاً متحللاً، أو مختلطاً مع جدليات وأضداد ونتوءات.
لم تكن الحداثة منذ انعكاسها الأول على العرب والمسلمين خارج الهواجس والتهم العميقة من قبل بعض مجتمعات المسلمين، وذلك باعتبارها معادية للدين، هذه الفكرة رسمت الموقف البسيط مع المنتج الحداثي، الفني، والفلسفي، والمعرفي. وضعت الحداثة بإزاء الدين باعتبارها ستحلّ محله، أو ستقوّض بنيانه، أو ستهدم قيمه. انتقل العداء للحداثة من العامي الوعظي الساذج ليحولها بعض دارسي الفلسفة إلى منهاجٍ مفهومي، باسم الدهرانية، أو العلمانية الشاملة، أو الداروينية الاجتماعية.
ظلّت السعودية فترة غير قصيرة ضمن أنشطة ثقافية تقليدية، بمؤسساتٍ غير مدعومة، ليست لها القدرة على مواكبة العصر، ولا القدرة على تقديم شيء لافت للناس، إذ كانت هناك خطوط متشعبة ومتداخلة متغالبة، ضمن جولاتٍ من السجال والصراع بين التيارات.
منذ ما عرف بالحرب الثالثة عام 1971 بين الهند وباكستان والتي انتهت بانتصار الهند ومن ثم انفصال باكستان الشرقية عن باكستان الغربية (بنغلاديش حالياً) والعالم يعتبر استمرارية الصراع بين الهند وباكستان تشكل خطراً على السلم العالمي.
لم تمضِ أيام على الاغتباط الدولي بالحديث عن «نهاية تنظيم داعش»، إلا وضرب انتحاري بشكلٍ وحشي بالقرب من الجامع الأزهر. استهداف يفتح النقاش على الأحاديث المستعجلة الساذجة حول نهاية هذا التنظيم أو ذاك.
احتلت القضية الفلسطينية موقعاً خاصاً لدى السعوديين منذ تأسيس الدولة، جهد الملك المؤسس عبد العزيز على حفظ الحق بالأرض، وبقيت منذ ذلك الحين تأخذ مساحتها من الاهتمام الرسمي في المباحثات منذ لقاء الملك عبد العزيز بروزفلت وتشرشل وحتى اليوم.
يصف المفكر اللبناني علي حرب ندّه أوليفيه روا بأنه صاحب «الأطروحة الخطيرة» مسبباً ذلك بإحاطة روا بالظاهرة الأصولية، ومع ذلك لا يرى ضرورة مواجهة حمولتها الثقافية قبل الفكرية. وتقدمت بمقالة سابقة لاستعراض أبرز أطروحات الباحثين الفرنسيين: روا، كيبل، لاكروا، بوغا، ألان غريش، ومشتركهم بالطبع الانطلاق من أحقية الثقافة الإسلامية بالسيلان في الواقع الفرنسي من دون ضرورة مواجهتها.