ليسمح لنا المتفائلون ألا نجاريهم هذه المرة في تفاؤلهم. وليسمح لنا التسوويون ألا نطاوعهم في تنازلاتهم. إن لم تتحلوا بجرأة قول الحقيقة، فلا يأخذن على خاطركم إن قلناها. يكفي تنازلات تحت ستار الواقعية. ويكفي تسويات تبغي الربح. نعرف أن للظروف أحكامها، لكن للشعب أيضا أحكامه. منذ ثلاثين سنة وأنتم تراكمون الأخطاء من دون ندامة. تداوون الخطأ بخطيئة، والخطيئة بجريمة، والفشل بهزيمة. والذين يجيئون، يأتون ليكملوا لا لينقضوا. تتقاذفون التهم والتهم تلبسكم جميعا.
عاد من حيث أتى. اليوم أنزل عن الصليب. رجع عشية مئويته وقبيل مئوية لبنان الكبير. رحل وهو يعاين بألم ترنح هذه التجربة العظيمة التي لم يقدر اللبنانيون قيمتها التاريخية، فتعاملوا مع لبنان كأنه عقار يتوزعونه ويوزعونه لا كيان يجتمعون فيه ويعممون رسالته على الشرق الأوسط.
النظام العام، فلسفيا كان أو وطنيا، هو مجموعة عناصر متفاعلة مرتبطة بمجموعة علاقات متكاملة ومتحركة نحو هدف مشترك. قبل بدء الحرب سنة 1975، كان لبنان يملك، بشكل متقطع، جزءين منه: مجموعة العناصر المتفاعلة ومجموعة العلاقات المتكاملة. لكنه فقدهما قبل بلوغ الجزء الثالث: الهدف المشترك.
إذا كانت غاية تأخير إعادة النازحين السوريين إلى بلدهم استدرار أموال الدول المانحة وتشغيل النازحين، فهذه جريمة إنسانية بحق النازحين لا تقل عن جرائم الحرب في سوريا.
انتهت الحملة على الفساد قبل أن تبدأ. سيسوها فسرحوها. شخصنوها عوض أن يعمموها فأعموها. وأصلا هي حملة رفع عتب. نبشوا التاريخ، ولولا الحياء لنبشوا الضريح. تناسوا الفساد الحالي وهو طاف على سطح القصور والبيوت والمقار والوزارات والمؤسسات والإدارات، ويتنقل في العائلات من جيل إلى جيل. إنه الفساد الوراثي.
هناك أطراف يريدون تطبيع العلاقات مع النظام السوري من خلال مطالبتهم بعودة النازحين السوريين سريعا، وهناك أطراف يماطلون بإعادة النازحين لمنع التطبيع مع النظام حاليا. كأن مشكلة لبنان هي الاعتراف بالنظام السوري وليست إعادة النازحين.
قبل يومين احتفل 11 مليون ماروني في 196 دولة بعيد شفيعهم مارون. موارنة على مد النظر. عدا الصامدين منهم في لبنان والمشرق، هاجر الآخرون ضيقا أو اضطهادا أو خيارا من أنطاكية وسوريا وفلسطين ولبنان. حملوا إيمانهم ورحلوا بحرا، برا وجوا، فبلغوا القارات الخمس. صاروا شعبا في شعوب وثقافة في ثقافات وحضارة في حضارات ولبنانا في لبنانات…
باستثناء حزب الله، يتعذر على الآخرين أن يزغردوا ويطلقوا الأسهم النارية بمناسبة ولادة الحكومة الثلاثينية. وحده سمير جعجع كان رابط الجأش ومتعاليا لدى إعلان الحكومة، وبأقل ضرر ممكن طوق، وحيدا، عملية عزل القوات اللبنانية. ووحده وليد جنبلاط ربط الدعم بالثوابت. تكوين الحكومة اللبنانية يكمل المشهد الممتد من العراق وسوريا وصولا إلى لبنان، حيث ميزان القوى راجح حاليا لمصلحة إيران وحلفائها. منذ التسوية الرئاسية سلم المسؤولون اللبنانيون بهذا الواقع المتدرج وسط لامبالاة عربية ودولية: العرب منهمكون بمصير أنظمتهم وخلافاتهم، وأميركا تلقمنا عقوبات، وكأنها بالعقوبات تعوض عن تقلب سياستها وتغطي انسحابها وتغير وجه الشرق.
أي حوار مع حزب الله يجب أن يبدأ بسلاحه مع أني أستوثقه. لكن حزب الله لا يبدأ أي حوار إلا ويضع سلاحه خارج النقاش. ما يعني أن إمكانية الحوار مع حزب الله تنطلق من المواضيع الأخرى.